الهيئة اللبنانية للتاريخ بالتعاون مع مركز الدراسات اللبنانية تطلق برنامجا تدريبياً مكثفاً لتطوير قدرات معلّمي التاريخ

أطلقت الهيئة اللبنانية للتاريخ بدعم من سفارة مملكة البلاد المنخفضة مشروعاً جديداً للتطوير التربوي بعنوان “تطوير قدرة معلّمي التاريخ على تنمية التفكير التاريخي” تنظمه الهيئة بالتعاون مع مركز البحوث التطبيقيّة في التربية في جامعة سيّدة اللويزة ومركز الدراسات اللبنانية.

والبرنامج، الذي يمتد على مدار العام الدراسي، يمنح تدريبيا مكثّفا لمجموعة من معلّمي ومعلّمات التاريخ  تتناول نظريات وطرائق تعليم التاريخ كمجال معرفي ويمكنّهم من تطبيقها في الصف وتكييفها بما يناسب الحالة اللبنانية.   يقدّم البرنامج نهجا جديدا في بيداغوجيا التاريخ في لبنان من خلال إعادة  تركيز تعليم  التاريخ على التفكير التاريخي عبر تنظيم محتوى المنهج حول  مفاهيم التفكير التاريخي ومنها السببية، التغيّر والاستمرارية، الاختلاف والتشابه، والتأويل،  ويوفّر للمعلّمين فرصة اعتمادها وتجربتها في الصفوف. وتُدخل الأنشطة الصفيّة  التعلّم المبني على البحث، واستعمال المستندات المتنوّعة، وعمليات النقاش المنظّمة والمدركة حول معاني الماضي، وتعزّز قدرات المتعلّمين ليكونوا مؤرخين صغار. كما يتم التركيز على تعزيز التعاون ودعم الأقران بين المعلّمين المشاركين بهدف بناء مجتمع تعلّمي.

رحّبت مديرة المشروع نايلة حمادة بالحضور وعرّفت بالمشروع الذي يعكس اهتمام الهيئة “بالنهوض بتعليم التاريخ في لبنان والتعامل معه كحقل معرفي، فالبرنامج يركّز على بناء قدرات المعلّمين ويمكنّهم ليصبحوا قادرين على تطوير طرائق واستراتيجيات جديدة لتعليم التاريخ محورها المفاهيم التاريخية والتفكير النقدي”. ووضّحت رئيسة الهيئة اللبنانية للتاريخ د. مهى شعيب أنّ المشروع يركّز على “تعزيز التفكير التاريخي عند المتعلّمين بحيث يقاربون المواضيع بمنهجية علميى تاريخية وينفتحون على وجهات النظر العديدة”، كمّا وضحت أن الهيئة تسعى بشكل دائم إلى وضع استراتيجيات جديدة في يد المعلّمين وتساعدهم على تطوير تعليم التاريخ في صفوفهم.  وفي كلمة ألقاها السيد جوشوا بوش، مستشار السفارة الهولندية ونائب السفير، أشار الى أهميّة هذا المشروع  في بناء السلام  والديمقراطية في لبنان ونوّه بالهيئة اللبنانية للتاريخ التي تسعى إلى “تحقيق الاستقرار والتفاهم المشترك من خلال تعزيز المواقف المسؤولة تجاه تاريخ لبنان المعقّد” لا سيّما مرحلة الحرب الأهليّة وما تلاها.

أمّا د. باسل عكر، مدير مركز البحوث التطبيقية في التربية في جامعة  سيّدة اللويزة فعرض للمحاولات السابقة لوضع منهج للتاريخ ولإصدار كتاب موحد وفقاً لم نصّه اتفاق الطائف وإلى “الواقع الذي نحن فيه اليوم وهو أنّ التلاميذ في 2015 لا يزالون يدرسون منهجاً تمّت بلورته في أربعينات القرن الماضي”، كما أشار إلى أنّ اهتمام جامعة سيّدة اللويزة بالمشروع يأتي في إطار حرصها على تطوير طرائق التعليم في لبنان وبناء الفرد المسؤول.

يتضمّن برنامج التطوير التربوي 12 يوماً من التدريب في مشاغل يتولّى تيسيرها اثنان من الخبراء المتميّزين في هذا المجال وهما د. أرثر شابمان من معهد التعليم في جامعة لندن وكريستين كاونسل من جامعة كامبريدج في بريطانيا، اللذان يعملان عن قرب مع أخصائيين من الهيئة اللبنانية للتاريخ التي تتولى بدورها جلسات الارشاد والتأمّل والدعم المتواصل للمعلّمين. خلال حفل الاطلاق، وضح د. تشبمان أنّ “ما يواجهه لبنان من صعوبات في مجال وضع منهج للتاريخ ليس أمراً محصوراً به فهناك حوار عالمي مفتوح حول التاريخ”. وأشار الى أنّه “من السهل أن يحفظ الطلاب المعلومات لكنهم في كثير من الاحيان لا يعرفون ماذا يفعلون بهذه المعلومات” ومن هنا ضرورة العمل على “بناء فهم الطلاب لكيفية وأسباب بناء الروايات التاريخية وجعلهم قادرين على ايجاد المعلومات المتعددة المصادر والاتجاهات، والقيام بتحليلها لانتاج معرفة تاريخية جديدة هو في صلب عملية تطوير تعليم التاريخ” وهذه المعرفة هي ما يحضّر للمستقبل من خلال دراسة الماضي”. كما ربطت الأخصائية في تعليم التاريخ كريستين كاونسل بين واقع تعليم التاريخ في لبنان وتجارب دول أخرى منها قبرص وسنغافورة والمملكة المتحدة حيث كان “تطوير مناهج جديدة أو ادخال موضيع حساسة أمراً بغاية التعقيد لا سيّما في الوصول الى توافق حول الروايات التاريخية وطرائق التعليم”، وأشارت إلى أن المشروع “يعزّز امكانات المعلّمين ويجعلهم قادرين على تطوير مناهج مسؤولة تمكّن المتعلّمين من مقاربة المواضيع بمسؤولية وموضوعية، فتدريب المعلمين اساسي للنهوض بتعليم التاريخ”.  وختمت نايلة حمادة أن هذا التدريب المكثف الذي تستفيذ منه مجموعة صغيرة من المعلّمين سوف يتوسع مستقبلا الى مجموعات أخرى حتى نبدأ بمقاربة تعليم التاريخ بوعي وانفتاح.