المصير الحتمي لطلّاب الامتحانات الرسمية: إنقاذ العام الدراسي على حساب مستقبل الطلاب

هذا المقال هو جزء من الدراسة بعنوان “نحو تعليم شامل لللاجئين: دراسة مقارنة  طولية الأمد” بتمويل من مؤسسة سبنسر

 

في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة والوباء الذي اجتاح العالم أجمع، قرر وزير التربية والتعليم العالي إعادة فتح جميع المدارس اللبنانية اعتبارًا من 21 نيسان/ أبريل بعد إغلاقها لمدّة ثلاثة أشهر. وعلى الرغم من أنّ عملية التطعيم لا تزال في مراحلها الأولى وفي ظل جميع التحذيرات و المخاطر الصحية، فإنّ وزير التربية يعتزم إعادة فتح جميع المدارس وإنقاذ العام الدراسي.

وبحسب وزير التربية والتعليم العالي، فإنّ الظروف الاقتصادية القاسية قد أثرت على الجميع، فأعرب عن ضرورة التعاون من أجل إنقاذ العام الدراسي، لأنّه لم يبق في لبنان سوى قطاع التعليم، مشيرًا إلى أنّ هدفهم كوزارة هو إنقاذ العام الدراسي.

قوبل قرار الوزارة باعتراض واسع من الشعب. فقد أعرب المعلّمون عن تخوفهم من الإصابة بالفيروس، فيما أعرب الأهالي كذلك عن عدم قدرتهم على تكبّد تكاليف أبنائهم المدرسية ورسوم المواصلات، إضافةً إلى صعوبة ملء سياراتهم بالوقود بسبب أزمة الوقود التي ظهرت مؤخرًا، وعدم قدرتهم على منح أطفالهم مصروفهم اليومي لشراء وجبة الفطور في المدرسة (حوساري، 2021)

 على الرغم من كل التحديات القائمة، أعلنت الوزارة أيضًا عن إجراء الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة والثانوية اعتبارًا من 12 تموز/ يوليو. غير أنّ مجلس الوزراء كان قد وافق على إلغاء الامتحانات الرسمية في العام الماضي بسبب ظروف مماثلة، فمنح إفادات مدرسية لجميع الطلاب ترقيهم بشكل تلقائي إلى الصف التالي. وبالتالي، فإنّ الإصرار على إجراء الامتحانات الرسمية لهذا العام في ظل ظروف أكاديمية واقتصادية وصحية عامة مزرية يحثّنا على التساؤل عن جودة التعليم المقدّم لطلاب الصف التاسع والثاني عشر، وعلى تقييم مدى جهوزيتهم لخوض الامتحانات الرسمية في هذا العام.

وفقًا لمسح أجراه مركز الدراسات اللبنانية مؤخرًا مع311 طالبًا من طلاب الامتحانات الرسمية (135 طالبًا في الصف التاسع و176 طالبًا في الصف الثاني عشر)، يشير 63٪ من طلاب المدارس الخاصة إلى أنّ جودة التعليم قد تدهورت خلال فترة الإقفال التام بسبب فيروس كورونا المستجد. وترتفع هذه النسبة بشكل ملحوظ في المدارس الرسمية حيث يشير 83٪ من الطلاب المسجلين في الدوام الصباحي إلى أنّ جودة التعليم قد تراجعت أثناء فترة الإغلاق، فيما تبلغ هذه النسبة 93٪ لدى الطلاب اللاجئين المسجلين في دوام بعد الظهر.

يعود السبب في تراجع جودة التعليم بشكل أساسي إلى تقليص عدد أيام وساعات التدريس بشكل عام، إضافةً إلى خبرة المعلّمين المحدودة في استخدام استراتيجيات وتقنيات التعلّم عن بعد، والصعوبة التي يواجهونها في إعداد دروس التعلّم عن بعد وتحقيق الأهداف التعليمية (حمود وشعيب، 2021).

تُرجم هذا التدهور الكبير في جودة التعليم إلى تراجع أداء الطلاب المدرسي، فأفاد 65٪ من طلاب الامتحانات الرسمية المسجلين في المدارس الخاصة إلى أنّ أداءهم المدرسي قد تراجع أثناء فترة الإغلاق مقارنةً بما كان عليه قبل أزمة كوفيد-19. وقد ارتفعت هذه النسبة بشكل ملحوظ في المدارس الرسمية، حيث أشار 83٪ من طلاب الامتحانات الرسمية المسجلين في الدوام الصباحي إلى تراجع أدائهم المدرسي خلال هذه الفترة، فيما بلغت هذه النسبة 81٪ لدى طلاب الامتحانات الرسمية اللاجئين المسجلين في دوام بعد الظهر. 

وقد أثرت جودة التعليم السيئة أثناء تفشي جائحة كوفيد-19 وتدهور الأداء المدرسي سلبًا على استعداد الطلاب لخوض الامتحانات الرسمية (حمود وشعيب، 2021). فعلى سبيل المثال، أفاد 44٪ من طلاب المدارس الخاصة إلى أنّهم غير مستعدين لإجراء الامتحانات الرسمية في هذا العام، في حين بلغت هذه النسبة 56٪ لدى طلاب المدارس الرسمية المسجلين في الدوام الصباحي، مقابل 26٪ فقط من الطلاب اللاجئين المسجلين في دوام بعد الظهر في المدارس الرسمية، على الرغم من أنّهم يعانون أكثر من غيرهم بسبب تراجع جودة التعليم. 

تظهر الدراسة أيضًا أنّ معظم الطلاب قد عبّروا عن عدم استعدادهم لإجراء الامتحانات الرسمية من خلال تأييديهم الترقية التلقائية إلى الصف التالي، فأفاد 75٪ من طلاب المدارس الخاصة أنهم يفضّلون الترقية التلقائية إلى الصف التالي، فيما بلغت هذه النسبة 63٪ لدى الطلاب المسجلين في الدوام الصباحي ودوام بعد الظهر في المدارس الرسمية.

ومن بين 1.5 مليون لاجئ سوري مقيم في لبنان، يبلغ عدد اللاجئين المسجلين رسمياً لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 879,529 لاجئ فقط. ومع ذلك، فلم يكن بحوزة الأغلبية  من المسجلين (78٪) تصريح إقامة قانونية في العام 2019 (تقييم جوانب الضعف لدى اللاجئين السوريين في لبنان، 2019)، نظرً إلى التحديات التي يواجهها الكثيرون من أجل الحصول على تصريح إقامة قانونية بسبب تكلفة التجديد الباهظة. ومن الجدير بالذكر أنّ متوسط الدخل الشهري لأسرة اللاجئين السوريين يبلغ 400.000 ليرة لبنانية، في حين أنّ تجديد التصريح يكلّف حوالي 450.000 ليرة لبنانية للفرد في السنة و900.000 ليرة لبنانية إذا أقام اللاجئ في لبنان لأكثر من شهرين من دون حصوله على إقامة.

ومع ذلك، تفرض الأنظمة اللبنانية حصول الطلاب اللاجئين الذين يتقدمون لامتحانات الشهادتين المتوسطة والثانوية على تصريح إقامة أو جواز سفر ساري المفعول ومختوم (شعيب، 2021). وبالتالي، إلى جانب محدوديّة الوصول إلى التعليم و تراجع جودته خلال جائحة كوفيد-19، يواجه اللاجئون الذين يخضعون لامتحانات رسمية حواجز بيروقراطية إضافية تحدّ من قدرتهم على إجراء الامتحانات الرسمية. ووفقًا لنتائج المسح الذي أجراه مركز الدراسات اللبنانية، فإنّ هذا النظام يمنع 53٪ من الطلاب السوريين اللاجئين و33٪ من الطلاب الفلسطينيين اللاجئين من التقدم لإجراء الامتحانات الرسمية هذا العام. (حمود وشعيب، 2021)

يستمر النظام في استبعاد الفئات الأكثر ضعفاً على الرغم من جميع المساعدات الدولية والتمويل الذي يقدّمه المانحون. وقد كشفت الأزمة عن هشاشة قطاع التعليم اللبناني وعدم قدرته على توفير فرص متساوية للحصول على تعليم جيد أثناء الأزمات. وأدّى ضعف جودة التعليم إلى تدهور أداء اللطلاب في المدرسة، كما يشير عدم استعداد الطلاب لخوض الامتحانات الرسمية إلى احتمال فشل عدد كبير منهم. لذلك، يجب على وزارة التربية والتعليم العالي أن تركّز على إنقاذ المستقبل التعليمي للطلاب بدلاً من الإصرار على إنقاذ العام الدراسي. وأخيرًا، أثناء الأزمات الناشئة، من الضروري تحديد مصير طلاب الامتحانات الرسمية عن طريق وضع خطة امتحانات تكيفية بدلاً من خطة امتحانات صارمة تستند إلى منهج قديم.

المراجع

شعيب، م.، (2021). لبنان: “ تحت رحمة سلطة تكرههم… يناضل الأطفال السوريون في لبنان للتعلّم.” مركز الدراسات اللبنانية. https://daraj.com/68473/

حمود، م.، شعيب، م.، (2021). تأثير الإغلاق خلال جائحة كوفيد -19 على الوصول إلى التعليم وجودته: آراء الطلاب والمعلمين في لبنان. مركز الدراسات اللبنانية.

Houssari, N., (2021). Lebanon schools to reopen in cooperation with the Red Cross. Arab News. https://arab.news/ctea7

UNHCR, UNICEF and WFP. 2019. ‘Vulnerability Assessment of Syrian Refugees in Lebanon.’ http://ialebanon.unhcr.org/vasyr/#/