من طوابير محطّات الوقود إلى المدارس: تأثير الأزمة اللبنانية على عودة الطلاب إلى المدارس

هذا المقال هو جزء من الدراسة بعنوان “نحو تعليم شامل لللاجئين: دراسة مقارنة  طولية الأمد” بتمويل من مؤسسّة سبنسرأعلنت وزارة التّربية والتّعليم العالي وسط الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة المتردّية، تأجيل بدء العام الدّراسي الجديد في المدارس الرسمية، الذي كان مقرّرًا في 27 أيلول/سبتمبر 2021، وذلك إلى 11 تشرين الأول/أكتوبر 2021. وقد تمّ تأجيل تاريخ العودة لسببين هما: (1) رفض معلّمي المدارس الرسمية العودة إلى العمل قبل تحسين رواتبهم، و(2) أزمة الوقود التي تحول دون وصول الطّلّاب والمعلّمين إلى المدرسة. وفي هذا الإطار، أجرى مركز الدّراسات اللّبنانيّة مسحًا عبر الإنترنت أجاب عليه 2442 شخصًا من الأهالي و819 معلمًا في جميع المحافظات الثّماني وذلك لتقييم استعداد هؤلاء لبدء العام الدراسي الجديد.

وتشير النّتائج التي حصلنا عليها إلى تفضيل ملحوظ للتعليم وجها لوجه، إذ أظهر ثلاثة أرباع الأهالي (أي 75 في المائة) وثلثي المعلّمين (أي 62 في المائة) تفضليهم لهذا النوع من التعليم.

الشكل 1. نهج الّتدريس المفضّل لدى الأهالي والمعلّمين

غير أنّ عدّة تساؤلات تُطرح من دون شك حول إمكانية العودة إلى التّعليم ا وجها لوجه وسط أزمة الوقود، إذ يواجه 97 في المائة من الأهالي و99 في المائة من المعلّمين الذين يلجؤون إلى وسائل النّقل الخاصّة للذهاب إلى المدرسة صعوبات في ملء سيّاراتهم بالوقود، في حين أنّ استخدام وسائل النّقل العام والمشترك يشكل تحدّيًا أيضًا، إذ أفاد 91 في المائة من الأهالي و94 في المائة من المعلّمين بأنّهم باتوا غير قادرين على تحمّل تكاليف استخدام وسائل النّقل العام.

تُمثل جائحة كوفيد-19أيضًا تحدّيًا رئيسًا آخر يواجه التّعليم وجها لوجه، إذ تشير النّتائج ان لم يتلقى سوى 2 في المائة من الطّلّاب و60 في المائة من المعلّمين والمعلمات لقاح كورونا.

الشكل 3. نسبة الطّلّاب الذين تلقّوا اللّقاح (المسح الموجه إلى الأهالي)

أسفرت الأزمة الماليّة وتدهور قيمة العملة عن انخفاض كبير في القوة الشّرائيّة للأهالي والمعلّمين. فقد انخفض متوسّط دخل الأسرة الشّهري الخاص بالأهالي والمعلّمين من 1300-1600 دولار أميركي في العام 2018 إلى 130-160 دولار أميركي، ما تسبب في عجز عدد كبير من الأهالي (أي 22 في المائة) عن تغطية نفقات أولادهم المدرسيّة، بما في ذلك الأقساط المدرسية والكتب والقرطاسيّة. وبالتّالي، أُجبر عدد كبير من الأهالي على نقل أطفالهم من المدارس الخاصّة إلى المدارس الرسمية نتيجةً لعجزهم عن تسديد الأقساط المدرسية.

تشير النّتائج التي استخلصناها أيضًا إلى أنّ الطّلاب والمعلّمين غير مجهّزين للتعلّم عبر الإنترنت. وفي هذا الإطار، يعاني تقريبًا كل فرد في لبنان من انقطاع طويل للتيّار الكهربائي، إذ صرّح أكثر من نصف المجيبين عن انقطاع التيّار الكهربائي في منازلهم من 9 ساعات إلى 20 ساعة يوميًّا. وأشار ثلثا أهالي طلّاب المدارس الرسمية (أي 66 في المائة) وأكثر من نصف المعلّمين في هذه المدارس (أي 51 في المائة) إلى صعوبة في اتّصالهم بالإنترنت. وعلى الرّغم من أنّ الوضع أفضل قليلاً في المدارس الخاصّة، فإنّ عددًا كبيرًا من طلّاب المدارس الخاصّة والمعلّمين فيها يعاني أيضًا من اتّصال ضعيف بالإنترنت، ما يجعل العودة إلى التّعلّم عبر الإنترنت شبه مستحيلة.

أسفر التّعلّم عبر الإنترنت عن تفاقم أوجه عدم المساواة في التّعليم بين أكثر الفئات حرمانًا خلال العام الدّراسي الماضي، نظرًا إلى أنّ هذه الفئات غير قادرة على تحمّل تكاليف التّعلّم عبر الإنترنت (Hammoud and Shuayb, 2021). وعلى الرّغم من أنّ معدل فواتير الإنترنت والكهرباء في العام الماضي كان أدنى مقارنةً بهذا العام، عجز الكثير من هؤلاء الأشخاص عن تحمّل تكاليف خدمات الإنترنت والكهرباء حينها. ومع هذا الارتفاع الهائل في فواتير الكهرباء والإنترنت في العام 2021 بسبب تدهور قيمة العملة المستمر ورفع الدّعم عن الوقود، تمثل هذه الفواتير الآن الجزء الأكبر من معدل دخل الأسرة، أي 125 في المائة من دخل الأهالي و97 في المائة من دخل المعلّمين. وعلى الرغم من أنّ العودة إلى التّعليم وجها لوجه محفوف بعدد من العقبات العالقة، فإنّ التعلم عبر الإنترنت مستبعد أيضًا، نظرًا إلى البنية الأساسيّة غير المناسبة وأوجه عدم المساواة المتزايدة التي تعرّض الطّلّاب الأكثر حرمانًا إلى تضييع العام الدراسي للسنة الثّالثة على التّوالي.

من المستبعد التّوصّل إلى أيّ حلّ دائم من دون وجود تعاون وثيق بين وزارة التّربية والتّعليم العالي والوزارات الأخرى. ولا تزال الخطط التي وضعتها وزارة التّربية والتّعليم العالي لحل مشكلة التّنقّل إلى المدارس أو تسهيل وصول الطّلّاب والمعلّمين إلى خدمات الكهرباء والإنترنت الملائمة غير واضحة، وذلك قبل أقل من أسبوعين فقط من الموعد المحدّد لبدء العام الدراسي الجديد. وقد يفضي اعتماد نظام توزيع القسائم أو مخطّط للتنقل إلى المدارس بمساعدةٍ من وزارة الطّاقة إلى الحد من مشكلة التّنقّل وإزالة العبء عن الأهالي والطّلّاب الذين يفتقرون الموارد اللازمة وتُركوا لمواجهة مصيرهم. وسيتسبّب عدم توفير إمكانيّة الوصول إلى الكهرباء والإنترنت بتكلفة ميسورة كما وعدت وزارة التّربية والتّعليم العالي إلى ارتفاع الانقسامات بين الطّلّاب، ما يتسبب بحرمان أكبر لهؤلاء الأشخاص الأكثر فقراً. ويتجلّى الملاذ الوحيد لوزارة التّربية والتّعليم العالي للوفاء بوعدها بالتّنسيق الوثيق مع وزارتي الطّاقة والاتّصالات. وأخيرًا، يبدو أنّ اللجوء إلى وزارة الماليّة هو الخيار الوحيد أمام وزارة التّربية والتّعليم العالي لتسوية مسألة تعديل رواتب المعلّمين في المدارس الرسمية.

إنّ إنقاذ العام الدّراسي من خلال خطة عمل مدّتها أسبوعين أمرٌ مبالغ فيه، أو حتى شبه مستحيل، فالتّعاون الوزاري لا يحدث بين ليلة وضحاها. إذ يتطلّب إنقاذ العام الدّراسي وضع خطّة كان ينبغي تنفيذها منذ أشهر. ويبقى مصير الطّلّاب، في ظل تشكيل حكومة جديدة بعد فراغ دام ثلاثة عشر شهرًا، في أيدي الوزراء الجدد الطّموحين الذين يدعمهم النّظام السّياسي الفاسد عينه.

لمزيد من التّفاصيل حول هذه الدّراسة، يرجى مراجعة الدّراسة التّالية:  تحدّيات العودة إلى المدراس وآفاقها: آراء الأهل المعلّمين و المعلمات المديرين و المديرات في لبنان

المراجع

Hammoud, M., & Shuayb, M., (2021)
The Impact of COVID-19 Lockdown on Access and Quality of Education: Reflections from Students and Teachers in Lebanon
Centre for Lebanese Studies.

Hammoud, M., Shuayb, M., & Al Samhoury, O., (2021)
The Challenges and Prospects of gas: Reflections of Parents, Teachers, and Principals in Lebanon.
Centre for Lebanese Studies.