هذا المقال جزء من نحو تعليم شامل للاجئين: دراسة مقارنة طويلة الأمد بتمويل من مؤسسة سبنسر
خلال مقابلة اجراها رئيس منظمة غوث اللاجئين فيليبو غراندي حول التعليم في المنفى بتاريخ ١٦ فبراير ٢٠٢، أشاد بالإنجاز الذي تم تحقيقه في مجال تعليم اللاجئين حول العالم حيث ارتفعت نسب الالتحاق بالتعليم الابتدائي الى ٧٧٪ على مدى العقد الأخير[1]. كما وأشار الى الصعوبات التي لا تزال حيث تقل نسب تعليم اللاجئين في التعليم الثانوي والتي لا تتعدى ٣٠٪ و٣٪ في التعليم العالي. ولم يتطرق فيليبو الى أسباب عدم اكمال الأطفال اللاجئين واللاجئات للتعليم والعقبات التي تؤدي الى تسربهم من المدرسة. وادى نمو الوعي بأنّ معظم أزمات اللاجئين هي أزماتٌ طويلة الأمد تتطلب تقديم خطط طويلة الأمد (Brun and Shuayb 2020a ، الى الدعوة الى اعتماد السياسات الإنمائية بدلا من خطط طوارئ قصيرة الأمد. وشكّل التعليم ضمن سياسة الإغاثة والعمل الإنساني مظهرًا من مظاهر هذا التحوّل. ومع أنّ هذا التحوّل يُعَدّ خطوةً إيجابية، (Brun and Shuayb 2020b)، إلّا أننا ما زلنا بحاجة لإجراء الأبحاث لتحديد شروط واليات توفير فرص التعليم الجيد للاجئين واللاجئات. في هذه المقالة سيتم تسليط الضوء على سياسة الإغاثة الإنسانية التي اعتُمِدت في لبنان للتعاطي مع اللاجئين واللاجئات من سوريا إلى لبنان نتيجة الأزمة السورية، ومدى فعالية هذه السياسة المتّبَعة. نستند هنا إلى المرحلة ۱ من دراسة المقارنة الطويلة، التي أُجريت على عيّنة من طلاب الصف السابع في لبنان، تركيا وأستراليا.
في هذه المقالة، نعرض فقط نتائج الدراسة في لبنان، والتي اعتمدت على ٤۱۸ تلميذاً لبنانيا ولاجئًا، في ۱٤ مدرسة رسمية، تعتمد الدوام الصباحي والدوام المسائي في ست محافظات (Shuayb et al., 2020)
التعليم في حالات الطوارئ وفي ظل الاستجابات الإنسانية: دراسة حالة لبنان
“التعليم في حالات الأزمات الإنسانية / المتعارَف عليها عمومًا “بالتعليم في حالات الطوارئ”، هو النموذج الأكثر اعتمادا في التفكير والتخطيط لتعليم الأطفال اللاجئين الذين يعيشون مؤقتًا في دول مضيفة بانتظار إعادتهم إلى وطنهم (Brun and Shuayb, 2020b). ويعتمد لبنان هذا النموذج ، وهذا ما أكدت عليه الحكومة اللبنانية، التي تنظر إلى اللاجئين واللاجئات من سوريا، وتشير إليهم على أنهم نازحون أو نازحات، ومن هنا يتميز هذا الأسلوب في العمل الإنساني والإغاثي في التعامل مع تعليم اللاجئين باستخدام السياسات والبرامج القصيرة الأمد، ويبتعد عن استخدام السياسات التي تهدف إلى الدمج الاجتماعي أو الاقتصادي أو التربوي طويل الأمد.
يتم التنسيق بين وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان والجهات المانحة ووكالات الأمم المتحدة، بشأن إدخال التعليم ضمن سياسة الاستجابة الإنسانية للأزمة السورية في لبنان، وتقوم هذه الجهات الثلاث بتخطيط وتنظيم السياسات التعليمية للأطفال اللاجئين وتطبيقها وتنفيذها. وقد تم العمل من قبل هذه الجهات الثلاث على وضع استراتيجيتين تعليميتين: “إيصال الحق بالتعليم للجميع ۱ ” وإيصال الحق بالتعليم للجميع ۲” (RACE I 2014, RACE II, 2017) واللتان تهدفان لاحتواء ٠٥٠٠،٠٠ طفل، في سن الدراسة في نظام تعليمي عام يستوعب ٢٠٠،٠٠٠ تلميذا لبنانيا فقط. يعتبر هذا التحدي ضخمًا بلا شك بالنسبة إلى نظام تعليمي ضمن أي بلد، فكيف ببلد كلبنان يعاني القطاع التربوي الحكومي فيه من مشاكل عديدة.
وعلى الرغم من ذلك، تم حصر فرص التعليم النظامي للأطفال السوريين في لبنان بالقطاع الحكومي فقط. واستحدث نظام التعليم المسائي لاستيعاب الأعداد المستجدة. وحاليًا هناك ۷٥ بالمئة من الأطفال السوريين ضمن التعليم النظامي مسجلين في الدوام المسائي، والباقي ينتسبون إلى الدوام الصباحي.
ووفقا لوزارة التربية والتعليم العالي لا يزال عدد الطلاب المسجلين في الدوام الصباحي مرتفعا نسبياً، وهي حاليا تعمل على خفض هذه الأعداد ونقل المزيد من التلاميذ السوريين إلى الدوام المسائي (PMU,2020). وبحسب الوزارة، فإن تكلفة التحاق التلاميذ في الدوام الصباحي تزيد من الأعباء على القطاع الحكومي، حيث تتقاضى الوزارة ۳۰۰ دولار أميركي عن كل تلميذ في الدوام الصباحي مقابل ٦۰۰ دولار أميركي في الدوام المسائي(PMU,2020). وتجدر الإشارة إلى أن بعض أهالي الطلاب السوريين يفضّلون تسجيل أولادهم في الدوام الصباحي، إذ إنهم يعتبرون نوعية التعليم أفضل ضمنه. إضافة إلى أن بعض الأهل يفضلون عدم إرسال أولادهم في وقت متأخر من اليوم، لتفادي عودتهم المتأخرة إلى المنزل. إضافة إلى ذلك، فإن المعلمين والمعلمات الذين اختيروا للتدريس في الدوام المسائي هم من المتعاقدين، وبعضهم لا يمتلك المؤهلات والمهارات التعليمية (LCRP 2018). والجدير بالذكر فإن تحديد ساعات التعليم المسائي بأربع ساعات، من الساعة 2:00 مساءً حتى 6:00 مساءً لا تترك مجالًا للراحة الكافية بين حصص التعليم أو أدت الى الغاء المواد الإجرائية كمواد التربية الرياضية أو الفنون ، مما يؤثر على نوعية التعلم لدى الأطفال (Brun and Shuayb، 2020a).
بالإضافة إلى التعليم العام، تُلحق وزارة التربية والتعليم العالي اللاجئين السوريين بالمدارس المهنية، وتقدّم برامج التعليم المعجّل لدعم اللاجئين واللاجئات من سوريا المنقطعين عن الدراسة ومساعدتهم لمتابعة تعليمهم. رغم ذلك، فإن أقل من ۱۰ بالمئة من الملتحقين في هذه البرامج يتابعون لاحقا التعليم في المدارس الرسمية. كما لم تلحظ الخطتين الكثير بخصوص التحاق الطلاب السوريين بالتعليم الثانوي أو الجامعي.
يوضح الشكل التالي الخصائص الرئيسة للتعليم في حالات الطوارئ للأطفال اللاجئون من سوريا الى لبنان.
نتائج تعليم اللاجئين السوريين بعد عقد من الزمن
وفقا لبيانات وحدة التعليم الشامل (۲۰۱۹PMU )، بلغ عدد التلاميذ المسجلين ما يساوي ۰٦۱،۲۰٦ تلميذاً من اللاجئين السوريين (٦۰%) في التعليم الابتدائي الرسمي، موزّعين على دوامين: الدوام الصباحي (۷۷٥،٥۲) والدوام المسائي (۲۸٦،۱٥۳)، و۹۰۳،٤ تلميذُا في التعليم الثانوي الرسمي. وبحسب وحدة التعليم الشامل، فإن عدد الملتحقين بالتعليم المهني هو ۰۰۰،٤ شخص غير لبناني أو هناك طلاب بينهم من جنسيات مختلفة.
بالرغم من الازدياد في نسبة التسجيل لدى التلاميذ هناك مؤشرات من وحدة التعليم الشامل تظهر عكس ذلك، فعلى سبيل المثال، هناك انخفاض مطّرد في نسبة التلاميذ الذين يستمرون بمتابعة دراستهم في الصفوف المتقدمة. فعدد المسجلين في المرحلة الثانوية يقل عن ٤% لمتابعة التعليم في المرحلة الثانوية، و ۱% فقط هم في الصف التاسع. تُظهر دراسة لمجلس اللاجئين النرويجي (۲۰۲۰) أنّ ۷۸% من الأطفال غير الملتحقين بالمدرسة لم يستجلوا بسبب الفقر، و٦۲% منهم أجبروا على ترك المدرسة بسبب مشاكل مادّية، و٥۲% منهم لم يلتحقوا بأي مدرسة نظامية أو غير نظامية من قبل.
ومن أجل فهم تجربة اللاجئين السوريين الذين هم في سن الدراسة والملتحقين بالمدارس الرسمية، نقدم نتائج استطلاعنا.
نتائج استطلاع الرأي حول تجربة التلاميذ السوريين واللبنانيين في المدارس الرسمية ضمن الدوامين الصباحي والمسائي:
أفادت الأغلبية الساحقة من الطلاب المشاركين في الاستطلاع (۹٤%) أنها أحبّت الذهاب إلى المدرسة، لكنها عانت من بعض المواد الدراسية.
إن نسبة الطلاب الذين عبروا عن صعوبة في فهم الدروس المعطاة باللغة الأجنبية هي ضعف نسبة الطلاب الذين عبّروا عن فهم الدروس باللغة الأم.
أفاد ثلث الطلاب عن مواجهة صعوبة في فهم دروس الرياضيات والعلوم التي تدرّس باللغتين الإنجليزية أو الفرنسية، بينما أفاد ۱٦% منهم فقط أن هناك صعوبة في فهم الدروس التي تدرّس باللغة العربية مثل مواد الاجتماعيات. كما أنّ نسبة الطلاب اللاجئين الذين أفادوا أنهم واجهوا صعوبة في الفهم بسبب المواد المدرَّسة باللغة الأجنبية تفوق نسبة الطلاب اللبنانيين الذين واجهوا صعوبة في هذا المجال. ويظهر حجم التفاوت بشكل أوضح في المواد التي تعتمد على لغة تعليم أجنبية كالعلوم، وبشكل أقل في مواد أخرى كالرياضيات. وتقلّ نسبة التفاوت في الاختلاف بين الطلاب اللبنانيين والطلاب اللاجئين في المواد التي تدرّس باللغة العربية كمواد الاجتماعيات.
تُظهر الدراسة أيضًا أنّ ٤۰% من الطلاب السوريين اللاجئين يوافقون على أن تعلُّم الإنجليزية أوالفرنسية أمر صعب، بينما 31% من الطلاب اللبنانيين يعتبرونه كذلك، ويمكن أن يشكّل العائق اللغوي عقبةً أمام نجاح الطلاب في المتابعة في الصف، كالتركيز على شرح المعلمة، فقد أفاد ربع الطلاب اللاجئين عن مواجهة صعوبة في التركيز مقارنة بنسبة ۱٤% تعاني من بين الطلاب اللبنانيين فقط.
يظهر الطلبة اللاجئون مواجهة عدد كبير من التحديات الأخرى كما يظهر في الشكل التالي:
كما يظهر في استطلاع الرأي، فإن الفقر يشكّل عائقا أساسيا في وجه التعليم حيث أفاد ٥۰% من الطلاب السوريين أنهم لا يقدرون على دفع فواتيرهم، وأفاد ۷۰% منهم أنهم يعيشون في السكن في منازل مكتظّة.
غير نصف المستجوَبين (٥۰%) منازلهم عدة مرات، وكانت تكلفة السكن هي السبب الأكثر شيوعًا.
الخلاصة
إنّ التركيز على وضع التعليم في صميم سياسات الاستجابة الإنسانية للأزمة السورية في لبنان، أدى إلى السعي والعمل على وضع برنامج منظّم واستراتيجيات تعليمية متوسطة الأمد من قبل الدولة المضيفة ووكالات الأمم المتحدة. بينما تمّ اقتراح تقديم التعليم الرسمي المعتمد على أنه البديل الأفضل من التعليم غير النظامي، يستوقفنا ويدفعنا معدل الطلاب المتدني ممن يستمرون بمتابعة دراستهم إلى التفكير بأن هناك مشكلة ما، لذلك لا بد من التفكير بالأسباب التي أدت إلى ذلك.
كما لا بد من ذكر عدم وجود خطة واضحة طويلة الأمد، ويعود ذلك أساسًا إلى أنّ اللاجئين مجرّدون من حقوقهم المدنية، الاجتماعية والتوظيفية. فإن التعليم من دون مستقبل يجعل منه استثمارًا عديم الجدوى للعديد من العائلات اللاجئين وأولادهم الذين يعانون من المشاكل المادية والاجتماعية والاقتصادية. لذلك لا بد أن يكون للتعليم هدف على المدى الطويل، وأن يكون مرتبطا بحقوق المشاركة في ميادين العمل في المجتمع ككل. فإذا فقدت هذه الشروط يتحول التعليم إلى برنامج لمحو أمية فقط.
بما أن الفقر يشكل العائق الأساسي للتعليم، يجب أن تترافق برامج تعليم اللاجئين واللاجئات مع برامج تهدف إلى التخفيف من حدة الفقر، ويجب أن تزيد المدارس الرسمية في لبنان من قدرتها الاستيعابية إلى ثلاثة أضعاف لتتيح للأطفال اللاجئين فرصة متابعة تحصيلهم العلمي، ولكن يبدو هذا الأمر شبه مستحيل في ظل الوضع الراهن، مما يستدعي إقامة شراكات بين القطاع العام والخاص والمجتمع المدني.
يجسّد الشكل التالي بعض المظاهر التي ينبغي أن تتوفّر في أية استراتيجية للاستجابة لأزمة التعليم
للمزيد من المعلومات حول هذه الدراسة، مراجعة “نحو تعليم شامل: دراسة مقارنة مطوّلة” الخاصة بنا.
References
Brun, C., & Shuayb, M. (2020a). Exceptional and futureless humanitarian education of syrian refugees in Lebanon: prospects for shifting the lens. Refuge: Canada’s Journal on Refugees, 36(2), 20-30.
Brun, C. and Shuayb, M, (2020b) Education in Emergencies: five critical points for shifting the power”, https://lebanesestudies.com/education-in-emergencies-at-20-five-critical-points-for-shifting-the-power/
Shuayb, M., Chatila, S., Kelcy, J., Maadad, N., Zafer, A., Crul. M., & AboulHosn, A. (2020). Towards an inclusive education: A comparative longitudinal study. Centre for Lebanese Studies https://lebanesestudies.com/wp-content/uploads/2020/02/Lebanon-Report.pdf
Norwegian Refugee Council. (2020). The obstacle course. Barriers to education for Syrian refugee children in Lebanon. https://www.nrc.no/resources/reports/the-obstacle-course-barriers-to-education-for-syrian-refugee-children-in-lebanon/
Plan, L. C. R. (2018). Plan 2017–2020. Government of Lebanon and the United Nations. https://reliefweb.int/report/lebanon/lebanon-crisis-response-plan-2017-2020-2018-update/
Project Management Unit (PMU). 2019. RACE 2 fact sheet March 2019. http://racepmulebanon.com/images/RACE-PMU-Fact-Sheet-September-2019.pdf