للسنة الرابعة على التوالي، يستعدّ المعلمون والمعلمات، ومديرو ومديرات المدارس وأولياء الأمور والطلاب لمواجهة عام دراسي جديد محفوف بالاضطرابات. فمع اقتراب نهاية العطلة الصيفية، لم تتوصل وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية بعد إلى خطة أو رؤية أو استراتيجية واضحة لمواجهة عدد لا يحصى من التحديات. وقد أثرت هذه التحديات على آفاق التعلم لمليون ونصف طالب وطالبة لبناني/ة وسوري/ة، ودفعت أكثر من 39,000 معلم ومعلمة في المدارس الرسمية، وأكثر من 50,000 معلم ومعلمة في المدارس الخاصة إلى مواجهة مزيدٍ من العقبات.
يبدو أن المساومة مع المعلمين والمعلمات من خلال منحهم تعويضات مالية متواضعة بعد انخفاض قيمة رواتبهم، وتهديدهم بتطبيق إجراءات تأديبية ضدهم في حال تخلّفوا عن الحضور إلى المدرسة بسبب تكاليف النقل الباهظة هي الاستراتيجية الأساسية التي تعتمدها وزارة التربية والتعليم العالي في التعامل مع الأزمة. تشكّل هذه الحلول الناقصة التي تطرحها الوزارة للمعلّمين والمعلّمات في خضم عام دراسي آخر والتي تهدف الى تعليق إضراب جديد محتمل يشكل خطر على الطلاب بخسارة عام دراسي جديد. لقد خسر الأطفال في لبنان بالفعل جزءًا كبيرًا من دراستهم منذ تحركات 2019، والإغلاق التام الناتج من فيروس كورونا، وإضراب المعلمين والمعلمات السابق.
أجرى مركز الدراسات اللبنانية مسحًا للعام الثاني على التوالي (يمكن الاطلاع على نتائج العام الماضي هنا) حول تأثير الأزمة على القطاع التعليمي في لبنان، في سبيل تقييم أداء الحكومة اللبنانية ووزارة التربية والتعليم العالي والضغط عليها لوضع خطة لمواجهة الأزمة.
أجرينا مسحًا عبر الإنترنت شمل 2700 ولي أمر (89٪ من أطفالهم يلتحقون بالمدارس الخاصة و11٪ يلتحقون بالمدارس الرسمية) و1512 معلمًا ومعلمة (57٪ في المدارس الخاصة و43٪ في المدارس الرسمية) موزعين على جميع المحافظات الثماني. كما عقدنا حوار مع ممثلين من مختلف اتحادات المعلمين واتحادات أولياء الأمور والجهات الفاعلة في مجال التعليم والمجتمع المدني لمناقشة النتائج ووضع توصيات لتحقيق عام دراسي ناجح نرفقها في اسفل هذا المقال.
التأثير على المعلمين والمعلمات
أدى انهيار قيمة الليرة اللبنانية إلى انخفاض قيمة رواتب المعلمين بنسبة تجاوزت 90٪. وبينما استفاد البعض من تعويضات مالية إضافية، بقيت الرواتب منخفضة للغاية بحيث لا تسمح بتغطية نفقات المعيشة الأساسية. ووفقًا للمشاركين في المسح، يبلغ متوسط الدخل الشهري للمعلم(ة) 131 دولارًا، في حين أنّ تكاليف النقل الشهرية تبلغ 128 دولارًا، فلا يتبقى لهم سوى 3 دولارات لتلبية احتياجاتهم طوال الشهر. بالتالي، دفع هذا الوضع الكثير من المعلمين والمعلمات (66٪) للعمل في وظيفة ثانية من أجل تغطية نفقات معيشتهم.
وأفاد ثلثا هؤلاء أيضًا بأنهم يُضطرون إلى اقتراض الأموال لتأمين الاحتياجات الأساسية. علاوة على ذلك، أفاد 73٪ من المعلمين والمعلمات بأنهم يواجهون صعوبات في دفع فواتيرهم، وهو رقم ليس مفاجئًا نظرًا إلى أنّ معدل تكاليف الكهرباء والإنترنت الشهري يمثّل 139٪ من متوسط الدخل الشهري الذي يتقاضاه المعلمين والمعلمات. لقد أدت هذه الأزمة إلى حرمان المعلمين والمعلمات من احتياجاتهم الإنسانية الأساسية، حيث أفاد 99٪ من المعلمين والمعلمات بأنّ الأزمة قد حرمتهم من الوصول إلى الخدمات الطبية.
أجبرت تكاليف النقل المرتفعة 60٪ من المعلمين والمعلمات على التغيب عن أيام التدريس في المدرسة. ونتيجة لذلك، واجه 20٪ منهم إجراءات تأديبية بسبب التغيب عن العمل وحُرموا من التعويض الإضافي البالغ 90 دولارًا. وقد أثرت هذه الصعوبات سلبًا على حماس المعلمين والمعلمات للعمل وعلى سلامتهم النفسية، كما أدّت إلى تدهور علاقتهم بإدارة مدرستهم.
على الرغم من أنّ وزارة التربية والتعليم العالي أصدرت علاوة إضافية بقيمة 90 دولارًا للتعويض عن انخفاض قيمة الرواتب، فإنّ أكثر من ثلاثة أرباع (86٪) المعلمين والمعلمات وصفوا أداء الوزارة بأنّه ضعيف. كما فشلت نقابات المعلمين في توفير الدعم الكافي للمعلمين والمعلمات، إذ أفاد أكثر من نصف المشاركين لدينا بأن أداء نقابات المعلمين في المدارس الخاصة والرسمية كان غير مرضٍ.
وقد أدى الوضع المزري الذي يشهده المعلمون والمعلمات وفشل الجهات المعنية في الاستجابة للأزمة بشكل مناسب إلى يأس الكثير من المعلمين والمعلمات، حيث يخطط 73٪ منهم لمغادرة القطاع التعليمي، بينما أفاد ثلاثة من أصل كل أربعة معلمين ومعلمات بأنّهم يخططون لمغادرة لبنان.
جهوزية المدرسة
أثرت الأزمة الاقتصادية أيضًا على قدرة المدارس على فتح أبوابها، إذ أفاد ثلاثة أرباع المعلمين والمعلمات بأنّ مدارسهم ليست جاهزة تمامًا لاستقبال عام دراسي جديد وسط أزمة الوقود ونقص عدد الموظفين، ما قد يؤثر بشكل كبير على جودة التدريس والتعلم للسنة الرابعة على التوالي.
الأثر على الطلاب
لقد فوّت الأطفال في لبنان بما فيهم السوريون، جزءًا كبيرًا من دراستهم على مدى السنوات الثلاث الماضية، الأمر الذي قد يدمّر مستقبلهم الأكاديمي. ووفقًا لثلث أولياء الأمور والمعلمين والمعلمات الذين شملهم المسح، أدّت الأزمة إلى تراجع أداء الأطفال الأكاديمي وسلامتهم النفسية بشكل عام، بينما ترك 10٪ مدارسهم، وأعاد 15٪ صفهم الدراسي.
الأثر على أولياء الأمور
يبلغ معدل الأقساط المدرسية السنوية التي يدفعها أولياء الأمور عن كل طفل (1,037$) ورسوم النقل (1,318$)ما يساوي 2,355 دولارًا أميركيًا. وعلى الرغم من القيود التي تفرضها وزارة التربية والتعليم العالي على زيادة الأقساط المدرسية في المدارس الخاصة، فإنّ 7 من أصل كل 10 أولياء الأمور أفادوا بأنّ مدرسة أطفالهم تطالب بدفع جزء من الأقساط المدرسية بالدولار الأمريكي بالإضافة إلى الكلفة بالليرة اللبنانية التي لا تنفك تزداد. ومقابل هذه الزيادة في الأقساط المدرسية، يبلغ معدل دخل الأسرة الشهري الذي أبلغ عنه أولياء الأمور 462 دولارًا، ما يعني أنّهم ينفقون 42٪ من دخلهم السنوي على تعليم طفل واحد. ولا تشمل هذه الأرقام تكاليف التعليم الإضافية مثل الكتب والقرطاسية.
ومع ارتفاع الأقساط المدرسية، أفاد نصف أولياء الأمور بأنّهم نقلوا أولادهم مؤخرًا من مدرسة خاصة إلى مدرسة رسمية، حيث أشار 87٪ منهم إلى أنّهم لم يعودوا قادرين على تحمل تكاليف المدارس الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، تمثّل تكاليف النقل عبئًا آخر يتكبده أولياء الأمور، إذ يبلغ معدل إنفاق أولياء الأمور المخصصة لتغطية تكاليف نقل أطفالهم إلى المدرسة 110 دولارات. كل هذه التحدّيات تهدّد مستقبل الأطفال الأكاديمي حيث أفاد 72٪ من أولياء الأمور بأنهم قد لا يستطيعون تحمل تكاليف تعليم أطفالهم، فيما أشار 10٪ منهم إلى أنّ أطفالهم قد يضطرون إلى دخول سوق العمل مبكرًا.
لطالما كان التمويل المقدم من المانحين للقطاع التعليمي في لبنان متاحًا، إلّا أنّ سوء الإدارة وانعدام الشفافية والمساءلة أعاقا أي جهود جادة لتعزيز هيكله.
يتحمل المانحون جزء من المسؤولية لعدم المطالبة بمزيد من الشفافية وعدم التحقيق في فشل وزارة التربية والتعليم العالي المستمر في الوفاء بوعودها على مدار الثلاثين عامًا الماضية. يتوجب على المجتمع المحلي والدولي الضغط اليوم أكثر من أي وقت مضى على السلطات اللبنانية للتحضير لعام دراسي ناجح للطلاب في لبنان، وإلا سيفقد الأطفال في لبنان سنة رابعة من تعليمهم الأكاديمي.
من الضروري تشكيل مجموعة ضغط تعليمية ناشطة محليًا ودوليًا تدفع من أجل الإصلاح الهيكلي في وزارة التربية والتعليم العالي من حيث تعيين الموظفين وتعزيز آليات الشفافية والمساءلة لإنقاذ قطاع التعليم ومستقبل أكثر من مليون ونصف طفل في لبنان.
توصيات هيكلية
- ان تشترط أي مساعدة مالية جديدة لوزارة التربية آلية إدارة جديدة وواضحة يتم مشاركتها بشفافية مع المجتمع التربوي والمدني.
- أن يشترط أي تمويل جديد وجود هيكلية ونظام واضح لإدارة المنح وميزانيات المشاريع وتوفير تدقيق مالي للمساءلة والشفافية وإصدار تقارير حول النتائج المحققة من المشاريع.
- توفير اليات الشفافية والمساءلة لدى المؤسسات الممولة والداعمة ومن ضمنها منظمات الأمم المتحدة وذلك عبر نشر تقارير ودراسات تقييمية متوفرة للعلن حول المشاريع المنفذة والإنجازات المحققة واليات التوظيف والانفاق واخذ القرار.
- الاستناد الى الية تشاركية عند رسم السياسات والبرامج والموازنات والهبات في ظل غياب التقارير حول تأثير هذه الهبات ونتائجها على القطاع الرسمي.
- تطبيق قانون حق الوصول الى المعلومات ( رقم 28تاريخ10/2/2017) ونشر تقارير وميزانية وزارة التربية وكيفية صرف المنح والهبات إضافة الى توفير الاحصائيات حول ارقام الطلبة والهيئة التعليمية.
6. انشاء طاولة مستديرة تجمع الأطراف المعنية من الوزارة والممولين و ممثلي الأهالي والمعلمين والمجتمع المدني والاكاديميين والباحثين لمتابعة سير العام الدراسي والتصدي لمشاكله
توصيات للعام الحالي
- تطوير خطة العودة للمدرسة في القطاعين العام والخاص في بداية العطلة المدرسية وعدم ترك الحلول لنهاية الصيف.
- معالجة المشاكل التقنية التي تعيق حصول المعلمين والمعلمات على التعويضات الإضافية ودفع جميع الرواتب والحوافز المستحقة.
- تعديل رواتب المعلمين والمعلمات بما يتناسب مع معدلات التضخم وزيادة تكاليف المعيشة
- تعديل بدل نقل المعلمين والمعلمات بما يتناسب مع زيادة تكاليف الوقود والنقل
- ضمان حصول المعلمين والمعلمات على الخدمات الطبية والأدوية اللازمة
- مراقبة المدارس الخاصة ووضع سقف لزيادة الأقساط والتأكد من انعكاس أي ارتفاع في الأقساط على رواتب الأساتذة.
- تزويد الأسر الأكثر حرمانًا بمنح دراسية لتغطية تكاليف التعليم والنقل
- مراجعة المنهج الدراسي الحالي لتخفيف حجم تراكم صعوبات التعلم والحد من معدلات التسرب المدرسي
- صرف الهبات والمنح من الممولين للمستفيدين بقيمتها الاصلية واتخاذ الترتيبات اللازمة لعدم فقدان هذه الهبات لقيمتها بسبب السياسات المصرفية لمصرف لبنان.