قيود الإستجابة الإنسانية على اللاجئين الشباب في الازمات الممتدة

هذا المقال هو جزء من الدراسة بعنوان “نحو تعليم شامل لللاجئين: دراسة مقارنة  طولية الأمد” بتمويل من مؤسسة سبنسر

 في حين أنّ النهج الإنساني يركّز على احتياجات الأطفال العاجلة، فإنّ النهج الموجه نحو التنمية هو عملية طويلة الأجل تعدّهم للمستقبل. بالتالي، يتماشى التعليم بشكل مباشر مع النهج الموجه نحو التنمية، لا سيما في الأزما الممتدة.

تكمن المشكلة الأساسية في لبنان في تعامل السلطات اللبنانية مع السوريين على أنّهم نازحون أو زوار بدلًا من لاجئين، فلا تقدّم لهم سوى المساعدة المؤقتة وتدعو باستمرار إلى إعادتهم إلى أوطانهم. وبالتالي، فإنّ اتّباع النهج الموجه نحو التنمية ضروري لمكافحة أوجه عدم المساواة من جذورها وإنشاء نظام تعليمي شامل، غير أنّ القيود السياسية تعترض الطريق أمام وضع إطار مماثل.

يؤدي إدماج التعليم ضمن إطار العمل الإنساني إلى احباط عزيمة الأطفال اللاجئين ويقلّل من إمكانية التحاقهم بالمدرسة. كما أنّ وضعهم المحفوف بالمخاطر يفرض عليهم قيودًا لسببين رئيسيين وهما: (1) لا يساهم البرنامج التعليمي الحالي في لبنان في إعداد التلاميذ جيدًا للتعليم العالي (برون وشعيب، 2020)؛ (2) يواجه التلاميذ بعد تخرجهم عقبات مادية وبيروقراطية تحول دون وصولهم إلى المجالات الخارجة عن قطاعات البيئة أو الزراعة أو البناء (شعيب وآخرون، 2021). بالإضافة إلى ذلك، لا بل والأهم من كل ذلك، لا يستحق العائد الذي يحققه الاستثمار في التعليم الكلفة التي يتكبدها التلميذ خلال سنوات التعلم.

ويؤدي إدراج التعليم في إطار العمل الإنساني إلى إعطاء خطط الاستجابة التي تقدّمها الدولة، أي RACE I وRACE II (إيصال الحق بالتعليم إلى الجميع)، الأولوية إلى الوصول إلى التعليم بدلًا من الجودة. على سبيل المثال، تبنّت مبادرة RACE I في العام 2014 نظرة مستقبلية قصيرة الأجل تفترض العودة إلى الوطن في نهاية المطاف، وتركز على تشجيع زيادة الالتحاق بالمدرسة. وقد أدى هذا النهج إلى خلق عقبات تتعلّق بالمناهج واللغة، وإلى فصل التلاميذ في الصفوف الدراسية، كما خلق حواجز في ما يخص التسجيل لإمتحانات الرسمية. في الواقع، شجعت مبادرة RACE I على فصل التلاميذ بشكل عنصري من خلال وضع الأولاد اللاجئين في المدارس الرسمية في فترات بعد الظهر، الأمر الذي أثّر سلباً على اندماجهم الاجتماعي.

في ما يتعلّق بالمناهج واللغة، وعلى غرار اللبنانيين، لا يزال المعلّمون يدرّسون التلاميذ السوريين باستخدام منهج دراسي قديم تمت مراجعته لآخر مرة في العام 1997. ويدرّس السوريون مادة الرياضيات والعلوم باللغتين الإنجليزية أو الفرنسية، وهما لغتان غير مألوفتان بالنسبة إليهم، نظرًا إلى أنّهم يدرسون هذه المواد باللغة العربية في بلدهم، ما أدى إلى زيادة الصعوبات التي يواجهونها في التعلم وارتفاع معدلات التسرب الدراسي (شعيب وحمود، 2021).

إلى جانب تحدّيات التعليم، يواجه الأولاد اللاجئون تحدّيات بيروقراطية تمنعهم في كثير من الأحيان من التقّدم للامتحانات الرسمية. فعلى سبيل المثال، تطلب وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية من السوريين الحصول على تصريح إقامة ساري المفعول للتسجيل والخضوع للامتحانات الرسمية، وكثير منهم لا يملكون القدرات المادية للحصول عليها. بالتالي، فإنّ أقل من 2 في المائة من الأولاد السوريين اللاجئين يصلون إلى الصف التاسع (شعيب، 2021).

في العام 2016، زعمت الاستجابة الثانية التي قدمتها الدولة بعنوان RACE II باتباع خطط إنمائية طويلة الأمد من خلال تعزيز نظام المدارس الرسمية، وتحسين جودة تعليم الأولاد الأكثر ضعفًا، ومراجعة المناهج الدراسية الوطنية. لكنّ الاستجابة لم تحقّق أي من خطط التنمية هذه، وقد استهدفت هذه الخطط عمليًا المواطنين اللبنانيين، فيما بقي التركيز على رفع نسبة الالتحاق بالمدرسة في ما يخص اللاجئين.

يعاني قطاع التعليم في لبنان اليوم بشكل كبير التحديات المتزايدة التي تحول دون وصول الأولاد، إلى مستوى تعليم جيد، ولا سيما اللاجئين منهم. وخلال فترة الإغلاق بسبب جائحة كوفيد-19، كشف البحث الذي أجريناه حول تأثير الجائحة على الوصول إلى التعليم وجودته أنّ وصول الأولاد اللاجئين إلى التعليم عبر الإنترنت محدود جدًا بسبب ضعف شبكة الإنترنت والكهرباء لديهم وعدم قدرتهم على تحمل تكاليف الأجهزة اللازمة لحضور الفصول الدراسية عبر الإنترنت، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الانقطاع عن الدراسة (حمود وشعيب، 2021). وفي ما يتعلق بجودة التعليم خلال فترة الإغلاق، برز تفاوت كبير في أيام التدريس وساعات التدريس بين فترة الصباح وفترة بعد الظهر للمدارس الرسمية، حيث يتلقّى اللاجئون خلال فترات بعد الظهر فصول دراسية أقل ويعبّرون بالتالي عن تدهور جودة التعليم.

بعد بضعة أشهر من دراستنا الأولية حول تأثير الإغلاق التام، أجرى فريقنا دراسة أخرى للتحقيق في تأثير الأزمة المالية على استعداد التلاميذ والأهالي للعام الدراسي الجديد. وتكشف النتائج التي توصلنا إليها عدم استعداد الأولاد الأكثر ضعفًا على وجه الخصوص للعودة إلى التعليم وجهًا لوجه أو عبر الإنترنت (حمود، وشعيب، والسمهوري، 2021). وقد تسببت الأزمة المالية وتدهور قيمة العملة في انخفاض كبير في معدل ​​دخل الأسرة، لينخفض من 1300-1600 دولار أميركي إلى 130-160 دولار أميركي، ويوثر بالتالي بشكل كبير على قدرة الأهالي على تحمّل نفقات تعليم أطفالهم. ومن المتوقع أن ترتفع هذه الأرقام بين اللاجئين، علمًا أنّ معدل ​​الدخل الشهري للاجئين السوريين يبلغ أقل من نصف الحد الأدنى للأجور في لبنان (مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، 2020).

كانت العودة إلى التعليم في المدارس وجهًا لوجه شبه مستحيلة بسبب تحديات التنقل إلى المدرسة وسط أزمة الوقود وزيادة تكاليف النقل العام. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال 98 في المائة من الطلاب و40 في المائة من المعلمين غير ملقّحين نتيجة عملية التطعيم البطيئة، وهم إذًا معرّضون لخطر الإصابة بجائحة كوفيد-19. وفي ما يتعلق بالعودة إلى التعلم عبر الإنترنت، تكمن التحديات في البنية التحتية الضعيفة، إذ يعاني كل شخص في لبنان تقريبًا انقطاعًا في التيار الكهربائي وضعف الاتصال بشبكة الإنترنت، كما أنّ كلفة هذه الخدمات أيضًا تجعل العودة إلى التعلم عبر الإنترنت شبه مستحيل، علمًا أنّ معدل ​​فواتير الكهرباء والإنترنت يستهلك نحو 125 في المائة من معدل ​​الدخل الشهري للأهالي.

على الرغم من أنّ دراستنا تؤكد أنّ وضع المدارس الرسمية أسوأ من المدارس الخاصة من حيث هذه التحديات، وبناءً على الأبحاث السابقة والجارية، فإنّنا نتوقع أن تبرز هذه التحديات أكثر لدى اللاجئين في فترة بعد الظهر في المدارس الرسمية مقارنةً باللبنانيين في فترات الصباح. بالتالي، يستمر النظام التعليمي في استبعاد الفئات الأكثر ضعفاً ويعجز عن الاستجابة للأزمات الناشئة بشكل فعال.

لا يزال إدماج التعليم في إطار العمل الإنساني يحاصر تطلعات اللاجئين الشباب، ومن الضروري النظر في أهدافهم طويلة الأجل في ما يتعلّق بحصولهم على التعليم. يجب علينا التخلّص من القيود السياسية في سبيل القضاء على أوجه عدم المساواة المستمرة التي تعترض الطريق أمام تنفيذ خطط التنمية، ويجب على المجتمع الدولي والحكومة اللبنانية استخدام جميع الوسائل والطرق الموجودة لتسهيل التعليم وتوسيع آفاق التلاميذ بدلاً من تجاهل المشاكل المستمرة والجديدة وعزلها في هذا الوقت من الأزمات الممتدة والمتراكمة.

المراجع

Brun, C., & Shuayb, M. (2020). Exceptional and Futureless Humanitarian Education of Syrian Refugees in Lebanon: Prospects for Shifting the Lens. Refuge: Canada’s Journal on Refugees, 36(2), 20-30.

Shuayb, M., (2021). Ahmed Will Not be Part of the One Percent. Center for Lebanese Studies. https://lebanesestudies.com/ahmed-will-not-be-part-of-the-one-percent/

Hammoud, M., & Shuayb, M., (2021). The Impact of COVID-19 Lockdown on Access and Quality of Education: Reflections from Students and Teachers in Lebanon. Centre for Lebanese Studies. https://lebanesestudies.com/the-impact-of-covid-19-lockdown-on-access-quality-of-education-reflections-from-students-teachers-in-lebanon/

Hammoud, M., Shuayb, M., & Al Samhoury, O., (2021). The Challenges and Prospects of gas: Reflections of Parents, Teachers, and Principals in Lebanon. Centre for Lebanese Studies. https://bit.ly/2YB69Ls

Shuayb, M., Brun, C., Hammoud, M., El Abed, O., Abou, H. C., Zaki, D. B., … & Saab, C. (2021). Youth Trajectories in Jordan and Lebanon in the Context of Protracted Displacement. Center for Lebanese Studies.https://lebanesestudies.com/wp-content/uploads/2021/07/Role-of-Youth-V.1.8-digital.pdf

Shuayb, M., & Hammoud, M., (2021). The Protracted Reality of Syrian Children in Lebanon: Why Go to School with no Prospects? Center for Lebanese Studies. https://lebanesestudies.com/the-protracted-reality-of-syrian-children-in-lebanon-why-go-to-school-with-no-prospects/

UNHCR, 2020. Nine out of ten Syrian refugee families in Lebanon are now living in extreme poverty, UN study says. https://www.unhcr.org/lb/14025-nine-out-of-ten-syrian-refugee-families-in-lebanon-are-now-living-in-extreme-poverty-un-study-says.html